شعبة الاحتياجات الخاصّة

كانت “أنا غبية!” أوّل عبارة لفتتني لطالبة من بين 65 طالبة في الشّعبة، والأخرى لفتت انتباهي بحركتها المتواصلة عند كل تمرين واستئذانها لدورة المياه وغيابها في غيابتِ الممرات وتسرّعها في الإجابات وسرحانها.

الأولى لم تكن غبية والثانية لا تهرب من المحاضرة، إنما فيهما ما لا تعرفانه ولا يُقرّ به أكثرية المجتمع التعليمي ناهيك عن المجتمع العام.

كثّفنا التمرينات الفردية والثنائية والجماعية وإعادة تشكيل المجموعات والثنائيات وتوزيع وقت المحاضرة، أضفنا القراءة بصوت مسموع وكتابة الإجابات كاملة، لم يكن صعباً تحديد من لديها ديسلكسيا وتلك التي لديها إفتا، عدا عن تلك القلقة والأخريات بضعف الثقة بالنفس، لكن لا بد من التأكد.

أعدتُ توزيع وقت المحاضرة وأُعلن بداية كل محاضرة مدة كل قسم وأضفت أنشطة حركية فلا تُضطر صاحبة الإفتا إلى الاستئذان عدة مرات ولتستطيع صاحبة الديسلكسيا التحقق من فهمها مع زميلتها وأتمكن من تطمين القلقة وتخفيف العبء عن مجموعتها بمداراتها.

انتهى الاختبار القصير الأول بكثير من دموع المعنيّات لأنهن يعرفن لكن قرأن خطأ أو مللن من الكُرسي أو ظنن أن في الأمر خدعة! بعد نقاش فردي وبعض تقنيات المذاكرة وتمارين الاستطالة والتنفس أثناء الاختبار كانت نتائج الاختبار الفصلي مُرضية فالاختبار القصير الثاني كاملة إلا من أبَت ذلك.

ليس لديّ صلاحية التشخيص إنما لي حق تعريفهن على ما يتمكّن به من تجاوز المصاعب التعلّمية في تعليمهن، ولم تُخيّب ظنّي المعيدة في قسم التربية الخاصّة حين عرضتُ عليها ما فعلناه منذ بداية الفصل فوجّهتني بترك الأمور كما هي فلستُ متخصصة ولا تعرف متخصصة لتساعد في ذلك وأصلاً ما فيه متخصصات صعوبات تعلّم يدرّسن اللغة الإنجليزية.

لا أنسى أوّل اختبار جامعي؛ راجعتُ إجاباتي عدّة مرات ولم أنتبه إلى غياب آخر حرف في عدة كلمات، الغياب الذي كلّفني ثلاث درجات. كنتُ أعرف أنها ديسلكسيا، وكذلك أستاذة المادة، لكن لم أكن أعرف حينها طرقاً موثوقة ومجربة للتعامل معها وما كان بيدها سوى أن تقول في إشارة عامّة أنها تعرف الديسلكسيا. توجّهت لمتخصصات في أحد مراكز الطالبات داخل الجامعة لمزيد من المعلومات وتقنيات التعامل معها، لكن انتهى الفصل وانتظاري الساعات ولم أطّلع على مرجع إرشادي واحد، ناهيك عن الخضوع للاختبار الذي يؤكدها من عدمها، لم أسعَ لأي امتيازات، إنما متخصص يُنير لي هذه العَتَمة، لا زوايا الإنترنت.

تنقّلت مطوّلاً بين المواقع والمقاطع والمنشورات والدراسات، وحين اقتربتُ من التدريس وبدأت دورات الإعداد المتخصصة ومنها دورة التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصّة كانت هذه العبارة الاستفتاحية “[تذكّر أنّك مُربٍّ تلحظُ العلامات وتعمل وِفقاً لها، لا تُشخصّ ولا تُعالج، إنما تجعل حياة طلبتك أيسر وتعمل جنباً إلى جنبٍ مع المتخصص إن وُجد.]” نعم، هذا ما أُريده.

لا يكاد يمرّ فصل دون أن يكون في كل شعبة طالبتان أو ثلاث من ذوات الاحتياجات الخاصّة، وفي كلّ فصل لم يُقرّ إلا بمن احتياجاتها ظاهرة إذ كانت مُقعدة، وحتى في هذه الحالة لم تُراعَ احتياجاتها المكانية السليمة داخل القاعة التي تمثّلت بطاولة صغيرة تدمجها في أعمدة زميلاتها ورغم مُحاولاتي وزميلاتها لدمجها إلا أنها اختارت الانزواء والانسحاب من الدراسة الحضورية.

أسِفت، لكني على الأقل عمِلت، مددتُ يداً ولم أقِف طوداً.

للمزيد حول إفتا (اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه).

للمزيد حول الدسلكسيا (عسر القراءة)

One thought on “شعبة الاحتياجات الخاصّة

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s