تشكل نوع من الإدمان والمشكلات الصحية بسبب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الاتصال الدائم بالشبكة، وكأنّه ستحصل كارثة لو غبنا 15 دقيقة عن التغريد أو لم نرد مباشرة على تنبيهات المحادثة، حتى طال الأمهات فإن لم ترد على اتصال أمك خلال 5 دقائق ستجد 25 مكالمة و60 تنبيه واتس أب ومنها و5 من أختك و2 من أخيك، والأم العزيزة هي من طلبت منهم تفقدك.
بسبب إدمان الحضور الدائم في الشبكات تطورت عندي اضطرابات النوم، تكرر الصداع، تشتت الذهن أكثر، القلق المتزايد من الانقطاع، ولا تسأل عن آلام الرسغ، والأدهى الحاجة الملحّة لتفقد الشبكات كل ربع ساعة وقراءة كل تدوينات الأصدقاء وكل الخلاصات وكل النشرات، والاستماع لكل الحلقات الصوتية ومشاهدة كل الفيديوهات المنشورة.
كنت أستفيد من هاتفي الذكي نعم، لكن يعرقل استثماره الأمثل هذا الإدمان مزعج، يعُلّقك بالعالم الخارجي حتى صرنا نغبط من ليس لديه حساب في الشبكات ولا حتى هاتف ذكي. نعم هناك من ليس لديه ذلك. أثر ذلك بطبيعة الحال على الإنتاجية والقراءة الجادة والاستمرار في المشاريع الشخصية، أما الاجتماعات العائلة فيُرثى لها.
حتى قضيت 120 ساعة بلا جوّال، فلما انتهت التجربة وجدت أن العالم كما هو عليه، لم يتهاوَ لما توقفت عن تفقده لسويعات.
كانت ذلك لما انضممت لبرنامح تدريبي يقدمه المدرب علوي عطرجي، كان من قوانينه منع استخدام الجوال، ومن يستخدمه يتعرض لغرامه قدرها 100 ريال تذهب للجمعيات الخيرية، وبعدد استخدامك يتكرر التغريم. لا يستطيع الأستاذ طبعاً متابعة متدربات القسم النسائي لكثرتهن، لكن مساعداته يتولين ذلك. وسقط بعض الضحايا طبعاً. كانت مدة البرنامج 50 ساعة مقسمة على أيام متوالية. اليوم الأول كان صعباً، الثاني أقل صعوبة، وفي الثالث نسيته تماماً. في الوقت ذاته كنت قد بدأت برنامج مدته 6 أشهر، بواقع جلسة واحدة أسبوعياً مدتها 4 ساعات. لم تمنع المدربات استخدام الجوال، لكنهن يُحرجنك بالنظرات حتى تدخله وتتصرف كأنك لا تملكه.
كنتُ أحتاج هذا الانقطاع، وأتطلع لثمرته. في الربع الأول من التجربة تقريباً توفي جدي رحمه الله، في فترة العزاء وضعت جوالي على العادة الجديدة في الحقيبة وجلست في المجلس. سُئِلت مرات عنه، ويتبع السؤال استغراب أني لا أحمله. خف الزوار، وجلست أتطلع حولي لمن قد أتجاذب معه أطراف الأحزان، لكنهم على جوالاتهم، فتعرفت على أختي من جديد.
لما بدأت العمل الرسمي، لم يكن عندي مشكلة في وضع الجوال على الصامت وإبقائه في حقيبة التحضيرات، حتى أني أستخدم الآيباد في توقيت الأنشطة. ما فاجأني كمية التنبيهات المهولة بعد المحاضرة. أنا في محاضرة، لِمَ طلب الإجابة الفورية، لِمَه؟ أغلب الأحيان كنت لا أُصمته للحالات الطارئة. ساعدني ذلك على تطبيق إجراء استخدام الجوال في حدود تعليمية أنا أُحددها، ثم يمكث في الحقيبة إلى أن يأذن الله بانتهاء المحاضرة، وذلك بعدما أجريت تجربة ترك حرية الاستخدام، فخرجتُ بأنهن يعرفن ما يدور في العالم أكثر مما يدور في المحاضرة.
تطوّر الوضع لأستخد الجوال في التوقيت لكن عيني تُغفل تماماً التنبيهات. أسعدني أن نفسي تنتبه لي أيضاً : )
لا أخفي أني صرت أجلس بالمجالس أتطلع لمن لا يستخدم جواله، البداية كانت محرجة، لكنك تعتاد. تعرضت لانتكاسات طبعاً، لكن كنت أقول لنفسي: ماذا سيخسر العالم لو انقطعتِ عنه؟
وقبل أشهر تعطل جوالي لأيام، لم أتحمس لإصلاحه لأجرب الحياة بدونه، والحقيقة مواعيدي ض[طت أكثر لعلمي أنّي لا أملك وسيلة أطمئن فيها الطرف الآخر أني في طريقي، أو يتواصل هو ليعتذر عن تأخره. كنت أصل البيت وأطمئن على العالم من اللابتوب، والحمد لله، لم يتغير شيء، ما زالت الحروب قائمة، والقتلى في كل مكان، والطلبة منهكون، والرياضيون يصطرخون، والصحيّون يهرولون.
ما كانت الثمرة؟
تحسّن نومي، واختفت تقريباً آلام الرسغ، وكم مرة اكتشفت تعطّل كاميرا الجوال مصادفة لأني لم أستخدمها من فترة طويلة، ضاعت سماعاتي ولم آبه، ويطول عمر البطارية لـ 24 ساعة تقريباً.
والأهم أن العالم لم يختل توازنه لما خففتُ اتصالي به : )
نُشرت التدوينة بتاريخ 3/4/2019