إخلاء طرف | 4 دوائر النجاة

هل تعلم ما هي ترجمة “الدنيا صغيرة!” علمياً؟ هي نظرية : على بُعد ست خطوات

The Six Degrees of Separation Theory.

بمعنى: أنّ أبعد شخص يمثل حلقة الوصل بينك وبين بغيتك هو الشخص السادس في شبكة علاقاتك، وأنتَ الأوّل بطبيعة الحال. تعرف محمّد مثلاً، ومحمّد يعرّفك على أحمد، الذي يعرف محمّد وعبدالله، فيعرّفهما على خالد، الذي ستتعرف عليه بعد سنوات إما عن طريق محمّد أو أحمد أو عبدالله، فيعرّفك على أبي إبراهيم بنفس اللقاء، الذي يمثل الشخص السادس، ربما يكون هو وجهتك أو يكوّن شبكتك الجديدة لما تريد الوصول إليه. هذا مثال مبسّط للغاية، وهو لأقصى عدد يفصلك عن ما تسعى إليه، وقد يكون أقل. .

تنطبق النظرية على ما يفصلك عن إنجازك أو أحلامك، أو أياً ما كانت غايتك، الواقعي بالنظرية أنّها تسير بطريقة شبكية، لا هرمية ولا لولبية ولا خط مستقيم. فوضى خلّاقة، المهم نصل للخطوة السادسة. هي استقرائية طبعاً وليست استراتيجية وضعية.

قبل أن أحلل شبكية علاقاتي وفقاً لهذي النظرية، أحب تقسيمها لدوائر تختلف باختلاف تصنيفات أصحابها. بعض الدوائر تتقاطع بحسبب ضرورتها؛ فالزميلة في دائرة الدراسة تقاطعت مع كونها الزميلة في دائرة العمل، ومرّ عليّ دوائر علاقات تكاد تكون تكتلت اسطوانياً، أختان مثلاً في دائرة العائلة، هما الزميلتان في دائرة الجامعة، هما الزميلتان في دائرة العمل، هما زوجتان لأبناء في دائرة عائلة أخرى .

وما كان هذا مستغرباً سابقاً، تتكتل الدوائر بطريقة اسطوانية كالمثال السابق أو تنتهي صلاحياتها لصالح دوائر جديدة. فطالبة معلمة الثانوية مثلاً قد تصير جارة لها، وطالب المرحلة الابتدائية مديراً لأبناء جارِ والده لاحقاً.

بعض الدوائر بطبيعتها سميكة، فالزمن هو الذي متّنها أو لأهميتها، كدائرة العائلة أو الأصدقاء أو الدائرة المهنية، ودوائر لا تكاد تُرى إلا إذا نُظر لها، تمثل أي علاقة سطحية وهي دائرة واسعة للغاية، تمرّ عليها سراعاً وربما تتجاوزها دون الانتباه لها، وأخرى مطاطية، يخرج منها من يخرج في أمان الله ويدخل من يدخل أهلاً به، وهي دائرة زمالة العمل, وربما نشأت عن هذه الدوائر دوائر أو داخلها، وهكذا تتعدد الدوائر وأغراضها.

ما أهمية حديث الدوائر الاجتماعية؟ أنها نجاتك. حين تخوض حياة العمل، تتذكر دائماً أنه هذه حياة متفرّعة عن حياتك الأصل ودوائرها، وأنها ليست غاية بحد ذاتها، والدوائر المهنيّة خارج نطاق عملك تُغذي دائرة العمل وترفع أفق رؤيتك، ودائرة الأصدقاء هي المستراح، ودائرة العائلة هي المقصد. تطغى بعض الدوائر أحياناً على بعضها، لكن الإدراك الذهني لتمايزها يساعدك على الموازنة بينها، ولا يمكن بحال، إذا ما أردت حياة صحية ومتزنة، أن تتخلى عن أي منها.

بداية عملي في التدريس كانت اللحظات كثيفة للغاية، تفيض من روحي جمالاً أحياناً ورهقاً أحياناً أخرى لطبيعته، فتلقّتها دوائري الاجتماعية الأخرى لكلٍّ منها جانب، حتى أنّي أنشأت موقعاً جغرافياً لمكتبي أسميته

“the Outer Space” * | الفضاء الخارجي

وكأنه عالم موازي أصعدُ إليه، أجمع ما أجمع، وأنثر ما أنثر، ثم أعود لأحكي ما رأيت فيه، كيلا أفوّت معايشتي له ولا أنغمس فيه تماماً، فكنت حين أخرج من البوابة أقول الآن خرجتُ.

لطالما قدرتُ ثمار هذه الدوائر، ورغبتُ أن تحصل طالباتي على مثلها -وبعضهن شكّل فعلاً دوائر تجمعنا- خاصة وأن عملي لطالما تقاطع مع أعمال ومسؤوليات هذه الدوائر فلا أجد فيه إلا تعزيزاً لما بيننا أساساً، وكأننا نمسك بأيد بعضنا للمستقبل 🙂

لذا أستطيع القول إنّ من أهم أسباب النجاة في أي شيء، دوائرك الاجتماعية، ألم يطلب موسى عليه السلام من الله عزّ وجل أن “وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30)” [طه] .. لم؟“اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا” [طه] .. كي يُعينه على ما هو مُقبلٌ عليه.

*اسم البقعة الجغرافية مُستلهم من كتاب “خارج المكان” لإدوارد سعيد، ترجمة صديقه فواز الطرابلسي، وقد أوصتني به زميلة دراسة الماجستير ا. مها، استغرق الأمر ثلاثة أشخاص ليصل خبر إدوارد سعيد لك، وربما خطوتين لتصل هذه التدوينة. كم هو صغير عالمنا!