في تدوينة سابقة كان الموضوع طريقة حديث النساء، وفي هذه التدوينة سنتناولها مرّة أخرى وليست الأخيرة بطبيعة اللغة.
“النساء ثرثارات” لا أذكر متى سمعت هذه العبارة، لكن الأكيد أنها في المرحلة الثانوية أو الجامعة، ولم يعجبني ذلك لأن الجميع في بيئتي يتحدّث، نساء ورجالاً، بناتٍ وصبيان، وحين نقول “صموت” أو “ثرثار” فإننا نشير لشخص المتحدث وليس جنسه. حتى مع ثورة الإنترنت، لم نفرق بين كتّاب المنتديات وإن كانت أقلام الأسماء الرجالية هي الطاغية، وعرفنا لاحقاً أن بعضها لشخصيات نسائية. بمعنى كنت أتفهم كتابة المرأة باسم محايد أو مذكر، ولم أستغرب طول مواضيع الأسماء الرجالية وكثرتها، وأذكر حين أشارت أمي لمقالة أنها بقلم سيّدة فبعض الكلمات تستخدمها النساء حصراً. وهذه من العلامات التي كانت يستدل بها باحثي الأدب الإنجليزي لكشف هوية كاتب روايةٍ ما إذ كانت جُل الروايات -بما في ذلك الشهير منها- بأقلام سيّدات وأسماء رجال لأسباب اجتماعية، وهذا موضوع أمتع من موضوع هذه التدوينة وأختها..
على أي حال، ما دام من يتحدث أكثر لا يهمني، ما الذي يدفع للكتابة عنه؟
كتاب Languages Myths هو الدافع
الكتاب مجموع مقالات علمية مبسّطة حول خرافات لغوية ما زالت متداولة بين الشعوب سواء عن لغاتهم أو لغات الشعوب الأخرى، طُبع أوّل مرة عام 1999. عرضتُه مرّة على إحدى الشبكات الاجتماعية وأشرت لبعض المقالات المهمة، فوصلني تعليق عن مقال “Women talk too much ” ولم يكن مما أشرت إليه
يتناول خرافة أن النساء يتحدثن كثيراً، وهي عبارة تعني ضمناً إلى قلة حديث الرجال، كان التعليق أنّ جميعنا يعرف أنها حقيقة وليست خرافة، ليذكرني بقول صديقة “لطالما عاب الرجال ثرثرتنا، لتكشف لنا الشبكات الاجتماعية أنّهم يثرثون أكثر منّا”
لأقرأ المقال الذي لم أستغرب محتواه، ألا وهو أنّ نعم، النساء يتحدثن أكثر في سياقات معينة وأدوار معينة خاصة ما يرمي منها، والرجال يتحدثون أكثر منهن في سياقات أخرى وأدوار أخرى، ويتساوى الجنسان في كثرة الحديث إذا ما اجتمعا على غايتي التأثير والظهور وحظيا بالسُلطة والنفوذ، والتنافس اللغوي بين الجنسين مرّده غايات شخصية ومؤثّرات اجتماعية أخرى. المقال مرفق مصوراً لمن يريد ترجمته لغاية عامّة.
ما لفتني في المقال هو ما تعلّق بالمعلّمين، ففي حين تُلاحظ ظاهرة ضعف مشاركة الطالبات في الفصل وقلة حديثهن مقارنة مع الطلاب، وذلك لأسباب اجتماعية منها اعتبار المشاركة مع المعلّم “تباهياً” ، ومحاولة المعلمين حثّهن على المشاركة والعدل بين الجنسين خلال النقاشات والمشاركات، نُظر للمعلّمين (من الجنسين) أنّهم يُفضلون الفتيات على الفتيان، وما اختلف في ذلك -حقيقةً- إلا طريقة الحث على المشاركة، إلا أنّ هذا حكم مُسبق يُجازف به في مثل في أغلب السياقات التي تجمعهما.
حاولت بعد قراءة المقال مقارنة حديثي بحديث الطالبات في القاعة، ولم تكمل هذه الدراسة الذاتية أسبوعاً لأن النتيجة ظهرت سريعاً، وكلّه بسبب أمي التي أوصتني يوماً ” لاري كينغ يتحدث 22 ألف كلمة في اليوم، لا كلمة تشبه الأخرى، تحدثي أكثر منه” 🙂