ماذا حلّ بالعالم لمّا غبتُ عنه؟

تشكل نوع من الإدمان والمشكلات الصحية بسبب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الاتصال الدائم بالشبكة، وكأنّه ستحصل كارثة لو غبنا 15 دقيقة عن التغريد أو لم نرد مباشرة على تنبيهات المحادثة، حتى طال الأمهات فإن لم ترد على اتصال أمك خلال 5 دقائق ستجد 25 مكالمة و60 تنبيه واتس أب ومنها و5 من أختك و2 من أخيك، والأم العزيزة هي من طلبت منهم تفقدك.

بسبب إدمان الحضور الدائم في الشبكات تطورت عندي اضطرابات النوم، تكرر الصداع، تشتت الذهن أكثر، القلق المتزايد من الانقطاع، ولا تسأل عن آلام الرسغ، والأدهى الحاجة الملحّة لتفقد الشبكات كل ربع ساعة وقراءة كل تدوينات الأصدقاء وكل الخلاصات وكل النشرات، والاستماع لكل الحلقات الصوتية ومشاهدة كل الفيديوهات المنشورة.

كنت أستفيد من هاتفي الذكي نعم، لكن يعرقل استثماره الأمثل هذا الإدمان مزعج، يعُلّقك بالعالم الخارجي حتى صرنا نغبط من ليس لديه حساب في الشبكات ولا حتى هاتف ذكي. نعم هناك من ليس لديه ذلك. أثر ذلك بطبيعة الحال على الإنتاجية والقراءة الجادة والاستمرار في المشاريع الشخصية، أما الاجتماعات العائلة فيُرثى لها.

حتى قضيت 120 ساعة بلا جوّال، فلما انتهت التجربة وجدت أن العالم كما هو عليه، لم يتهاوَ لما توقفت عن تفقده لسويعات.

كانت ذلك لما انضممت لبرنامح تدريبي يقدمه المدرب علوي عطرجي، كان من قوانينه منع استخدام الجوال، ومن يستخدمه يتعرض لغرامه قدرها 100 ريال تذهب للجمعيات الخيرية، وبعدد استخدامك يتكرر التغريم. لا يستطيع الأستاذ طبعاً متابعة متدربات القسم النسائي لكثرتهن، لكن مساعداته يتولين ذلك. وسقط بعض الضحايا طبعاً. كانت مدة البرنامج 50 ساعة مقسمة على أيام متوالية. اليوم الأول كان صعباً، الثاني أقل صعوبة، وفي الثالث نسيته تماماً. في الوقت ذاته كنت قد بدأت برنامج مدته 6 أشهر، بواقع جلسة واحدة أسبوعياً مدتها 4 ساعات. لم تمنع المدربات استخدام الجوال، لكنهن يُحرجنك بالنظرات حتى تدخله وتتصرف كأنك لا تملكه.

كنتُ أحتاج هذا الانقطاع، وأتطلع لثمرته. في الربع الأول من التجربة تقريباً توفي جدي رحمه الله، في فترة العزاء وضعت جوالي على العادة الجديدة في الحقيبة وجلست في المجلس. سُئِلت مرات عنه، ويتبع السؤال استغراب أني لا أحمله. خف الزوار، وجلست أتطلع حولي لمن قد أتجاذب معه أطراف الأحزان، لكنهم على جوالاتهم، فتعرفت على أختي من جديد.

لما بدأت العمل الرسمي، لم يكن عندي مشكلة في وضع الجوال على الصامت وإبقائه في حقيبة التحضيرات، حتى أني أستخدم الآيباد في توقيت الأنشطة. ما فاجأني كمية التنبيهات المهولة بعد المحاضرة. أنا في محاضرة، لِمَ طلب الإجابة الفورية، لِمَه؟ أغلب الأحيان كنت لا أُصمته للحالات الطارئة. ساعدني ذلك على تطبيق إجراء استخدام الجوال في حدود تعليمية أنا أُحددها، ثم يمكث في الحقيبة إلى أن يأذن الله بانتهاء المحاضرة، وذلك بعدما أجريت تجربة ترك حرية الاستخدام، فخرجتُ بأنهن يعرفن ما يدور في العالم أكثر مما يدور في المحاضرة.

تطوّر الوضع لأستخد الجوال في التوقيت لكن عيني تُغفل تماماً التنبيهات. أسعدني أن نفسي تنتبه لي أيضاً : )

لا أخفي أني صرت أجلس بالمجالس أتطلع لمن لا يستخدم جواله، البداية كانت محرجة، لكنك تعتاد. تعرضت لانتكاسات طبعاً، لكن كنت أقول لنفسي: ماذا سيخسر العالم لو انقطعتِ عنه؟

وقبل أشهر تعطل جوالي لأيام، لم أتحمس لإصلاحه لأجرب الحياة بدونه، والحقيقة مواعيدي ض[طت أكثر لعلمي أنّي لا أملك وسيلة أطمئن فيها الطرف الآخر أني في طريقي، أو يتواصل هو ليعتذر عن تأخره. كنت أصل البيت وأطمئن على العالم من اللابتوب، والحمد لله، لم يتغير شيء، ما زالت الحروب قائمة، والقتلى في كل مكان، والطلبة منهكون، والرياضيون يصطرخون، والصحيّون يهرولون.

ما كانت الثمرة؟

تحسّن نومي، واختفت تقريباً آلام الرسغ، وكم مرة اكتشفت تعطّل كاميرا الجوال مصادفة لأني لم أستخدمها من فترة طويلة، ضاعت سماعاتي ولم آبه، ويطول عمر البطارية لـ 24 ساعة تقريباً.

والأهم أن العالم لم يختل توازنه لما خففتُ اتصالي به : )

نُشرت التدوينة بتاريخ 3/4/2019

كيف تخطّينا كل هذا؟

نُشرت ديسمبر، 2017 | التدوينة الاصلية

في الوقت الذي تقرأ هذه التدوينة، تذاكر طالباتي لأول الاختبارات النهائية غداً. أرجو أن تدعو لنا ألا نلتقي الفصل القادم .. لا أحب أن يرسب أحد.

سيودّعنا عام 2017 بعد أيّام، ليبدأ بعضهم تقليداً جميلاً وهو سرد الدروس التي تعلّمها أو ما أنجزه، منهم الأديبة جديلة التي  عرضت دورسها بأدب رفيع (لم تعد منشورة).

عام 2015 كان مزدحماً جداً بكل شيء، أما عام 2016 فلا أدري كيف مرّ، وأخيراً 2017 أزعم أني قضيت أغلبه في التأمّل. مما انتقل معي إلى هذا العام بدئي تجربة التدريس لطالبات البرامج التحضيرية.

بشّرني الكثير أن الجُهد المطلوب لتدريسهن لا يكاد يُذكر، فلما بدأت شعرت بارتباك؛ هل يقفن على مسرحٍ غير الذي أقف عليه الآن؟

أستقبل كُلّ فصل كائنات صغيرة، مُقبلة على الحياة ما بين خوف وجاء، بهجَة وتوجّس، حماس وهروب، مُصطحباتٍ كل ما عُوّدن عليه واكتسبنه خلال 12 عاماً؛ الوقوف مثلاً عند الإجابة، التعذّر بالذهاب لدورة المياه إذا ملّت من المُحاضرة، السواليف بالأوراق وغيرها. كمّية التلقائية السلوكية التي تمتلئ بها القاعات مُذهلة. كمّية الجُهد المبذول في التعامل مع هذه الفئة مهولة. أمّا الانعكاسات والانطباعات فقد اعتدتُ اجتماع الأضداد فيها.

لم أبتعد كثيراً عن مقاعد الدراسة  ( عام 2015 اختنق بها حتى آخر يومٍ فيه) حتى اعتقدتُ أنّي سأقضي حياتي بين الدراسة والاختبارات، حيث تُنتزع روحي عدة مرات في الفصل الواحد، لكن رؤية الوضع من علٍّ = مقام المعلّم، أراني بُعداً مختلفة لمِقعَدي، حتى صرت أتساءل: كيف تخطّينا كُلّ هذا؟

حين تستصعب على طالبة أجزاء الجملة البسيطة، أسترجع مشاعري مع القواعد البغيضة، حين أسمع “أوهو!”، أبتسم في سرّي لأنها ستكتشف أن ما يبهرها الآن عادي في عالم الكِبار، أمّا حين أعلم أن لديهن اختبار في غير مادتنا فإنّي أضمّ يدي إلى جناحي وأُحيط قلبي بأضلاعي ..  ربّاه! كيف تخطّينا كُلّ هذا؟

كيف تخطّينا همّ المعدل والمُستقبل، كيف تخطّينا سهر الليالي في إنهاء المشاريع، كيف تحمّلنا الأيام الطويلة والاختبارات المُتتاليّة، كيف تخطّينا حرّ المعامل وقرّ المكتبة، كيف تخطّينا عُنق الزجاجة وتيه التوجّه؟ .. “وكان فضلُ الله عليكَ عظيماً” ، أي والله عظيمٌ يا رب فضلك.

” كُلّه هيعدي .. متشغليش بالك.” ستتخطّى كل ما ظننته كؤود، وستبرأ الجروح كأنها لم تنزف، وستتعافى من التعب وتنهض، المهم أن تبذل وسعك – أقصاه لتتخطّى كل هذا بسلام وإلى سلام ، “وللآخرةُ خيرٌ لكَ من الأولى” .

ثقافة غرفة الخزائن

لطالما تمنيت استخدام الخزانة في المدرسة أو الجامعة. لم يتسنّ ذلك. كانت خزائن الجامعة بعيدة عن قاعات محاضراتي أو في صالات الدخول، ويمكن خلع أقفالها والاستيلاء عليها بما فيها، ويتيمز بعضها بالرسومات والملصقات، لكن هذا نادر. في المبنى القديم لكليتي كانت مناطق الخزائن مُقسمة بين مجموعات الصديقات، أو “الشلل” كما يُطلق عليهن، وغالباً ما تكون عند بيت الدرج حيث مأوى هذه الشلة أو تلك بين المحاضرات وفي الصباحات وعند العصير.

ماذا يعني هذا التقسيم؟

يعني أن الخزائن تحتوي مؤونة وذخيرة هذه الشلّة؛ فهذه الخزانة لمعدّات الشاي، والثانية للقهوة، والثالثة لنُسخ إضافية للملازم والنصوص، ورابعة للمفرّحات، وخامسة لضروريات أخرى كالإسعافات الأولية، وربما كان هناك سادسة لطعام القطط لمن تربّيها.

ما زلت -كلما خطرت لي هذه المناطق- أُدهش للحدود غير المرسومة والهُدَن غير المرئية والمواثيق غير المكتوبة من إغاثة الملهوف وصيانة الجار والإعانة على نوائب الدهر المتمثلة في انعدام أكواب القهوة أو الحاجة للاصق جروح.

وحين عملت في جامعة أخرى، وجدتُ الخزائن الحديثة المقفلة بأقفال رقمية تُستأجر من مكتب خاص، مصفوفة قريباً من قاعات المُحاضرات. المُلفت أنّ لأغلب الخزائن هُويّات، وإذ بها ثقافة مخصوصة بهذا المكان أنتهز التعرف عليها كلما دخلت مبنىً تعليمي جديد في كل جامعة أزورها.

في بحثي عن الخزائن حول العالم، وجدتُ مصطلح ، ويشير إلى غرف خزائن الفرق الرياضية (هي نفسها غرف التغيير)، ولها ثقافتها وأنماطها السلوكية. فهي معقِل النجاح، وغرفة العمليات، وعرين العلاقات بين الرياضيين وصندوق أسرارهم. يبدأ تعزيز هذه الثقافة منذ الطفولة، في المدارس ابتداءً ثم الجامعات.

خلال تتبعي السريع وجدت أنّ هذا المصطلح يُستخدم أيضاً -في نطاق ضيق وغير مقبول – على الأحاديث العنصرية والمسيئة خلف الأبواب، أياً كان هذا الباب، التي يجريها كل من له حضور وتأثير؛

“Locker Room Talk” .

ما مردّ ذلك؟

لأن الأحاديث التي تجري في هذه الغرف بين الرجال بطبيعة الحال، وفيها يتخففون من كُلفة لباقة اللغة والتعامل، وما يُقال فيها لا يخرج عنها. وبطبيعة الحال أيضاً، يُطلق الإنسان -ذكراً أو أنثى العنان لخواطره وتحيزاته ما لم يضع عليها سلطاناً.

ولعل الاطلاع على هذه التدوينة (لماذا تتحدث النساء هكذا؟”) يكشف جانباً مهماً من الاستخدامات اللغوية بين الجنسين.

مما وجدتُه أيضاً أنّ العمل فيها لغير الرياضيين مهنة ولها سمعتها وأخلاقياتها .. مثل بيل بينينغتوم الذي كتب مختصراً عن ما تُتهم به هذه الثقافة.

أفكّر في مهنتي، ما الذي لدينا ويشبه ثقافة غرف الخزائن؟ لا شيء، ربما لأن كل الأماكن تصلح لذلك. فالسماء سقفنا والأرض، كل الأرض، ميداننا : )

لماذا تتحدث النساء هكذا؟

كنّا، أخي وأنا، قبل سنوات في نقاش لغوي حول اللهجات وتصحيحها فعلّق أنّ الرجال حًماة الإرث اللغوي ونقلته للأجيال لأن للنساء نزعة لتنميق اللهجة وتخير الكلمات واستعارتها. لم أُوافقه لكن لم يكن لدي أسباب واضحة، ليس لدي إلا تجارب شخصية لا تُعمم حول نساء لطالما “صححن” لهجتي او تركنني أحوال فك رموز اللهجة التي لا أعرفها، وما أعرفه عن أنّ الطفل يتلقى نسبة كبيرة من حصيلته اللغوية خلال طفولته التي يقضيها مع أمه.

ومنذ حوارنا ذاك وأنا أرعي انتباهي لموضوع اللغة واللهجة وأبعادهما الثقافية بعضها من ضرب الخرافة وبعضها مدروس وموصوف، لكن انصرفت لاحقاً حتى طرق أستاذ سمعنا بهذه المقولة : “النساء هن من يحافظن على اللغات واللهجات، لماذا؟ لأن ذلك مدعاة لقبولهن الاجتماعي ومن أوجه محافظتها على تماسك العائلة.”

لم يكن في محيطي شيء من هذا القبيل؛ فالرجال والنساء على حد سواء يتنقلون بين مستويات لغوية تتراوح بين شديدة الرسمية وبين قويّة المحليّة، بينهما العربية المُكسرة، واللكنة الغربية وغيرهما. فعدتُ لمتابعة الأساليب اللغوية. وساعدني في ذلك بدايتي التدريس في بيئة من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية، حسناً .. ليست متنوعة جداً، لكن الاختلاف ملاحظ.

من أفضل ما قرأت في تفسير طريقة النساء في الحديث، مبني على أبحاث علمية، ما ذُكر في كتاب ،

“An Introduction to Sociolinguistics”

فصل

Gender and age

وفيه أنّ هناك أربعة تفسيرات لـ “السلوك اللغوي للنساء،” الذي يعني استخدام تعابير وكلمات تُعد أرقى ما بلغة مجتمعها أو لهجته، ألخصها بتصرّف هنا ولا غنى طبعاً عن الأصل:

إظهار المكانة الاجتماعية

تميل النساء لاستخدام طريقة الحديث الرسمية العالية لوعيها بأن طريقة حديثة تعكس مكانتها الاجتماعية، وذلك لقلة فرصة بعضهن في مظاهر الحظوة الاجتماعية الأخرى، ولإظهار رُقيهن، ومهنيّتهن أحياناً.

دور المرأة حامٍ حمى قيم المجتمع ( نسخة خاصة لأخي)

يُتوقع من البنات -أكثر من الصبيان- سلوكات مهذبة، كما تُوجّه البنت عند الخطأ أسرع من توجيه الصبي، وبذلك تُرى نموذجاً لقيم المجتمع التي تنشأ فيه، وهذا ما ستنقله -حين تصير امرأة- لأطفالها إذ هي قدوتهم في السلوك واللغة، مما حيّر بعض الباحثين في دراسة إذ وجدوا الأمهات يستخدمن أساليب لغوية عالية حتى داخل المنزل، حيث يُتوقع الأريحية والتخفف اللغوي.

أذكر في ذلك سيّدة تحكي عن تصحيحها اللغوي لابنها كيلا يقول كلمة تعجّب تقولها النساء، هذا الموقف لفت انتباهي لظاهرة لغوية وهي مدى تأثر الصبي بالسلوك اللغوي الذي يتعرض له في بيئته. أحد أساتذتنا كان إذا تكلم بالعربية استخدم أحياناً كلمات يشيع استخدامها بين النساء الكبيرات في السن -وهذا لا ينقص منه شيء- لأعلم لاحقاً أنه صبي ربته أمه وجدته بعد وفاة والده رحمه الله.

ينبغي للمجموعات المهمشة أن تتأدب

فالطفل ينبغي أن يتكلم بأدب مع الكبار، وكذلك النساء، بوصفهن مجموعة مهمشة، ينبغي أن تتحاشى الإساءة للرجل بان تتحدث بأدبٍ وحذر. ومما يتضمنه سلوكهن هذا إظهار للمكانة الاجتماعية المذكورة سابقاً، كما مُراعاتهن لمن يتحدثن معه ومقامه، رجلاً كان أو امراة.

العامية تعبيرٌ عن الرجولة

أحد الأسئلة المطروحة عن السلوك اللغوي للرجال كان “لِمَ لا يستخدم الرجال أساليب لغوية رفيعة -بالنسبة لمجتمعاتهم- كما النساء؟” فكانت الإجابة أن الرجال يُفضلون الأساليب العامية لما لها من إيقاع رجولي وخشن، فإن صحّت هذا الإجابة فهذا ما يُفسر تحاشي النساء العاميّة.

وهنا أعلّق حول ذلك أنّه يُمكن تخمين ما إذا كانت البنت قد تربت بين مجموعة أولاد من خلال طريقتها في الحديث. وأذكر نصيحة قديمة حول تعلّم اللغات وهو الاستماع للنساء ونطقهن لأنهن الأقرب للمستوى اللغوي المطلوب في الأكاديميا.

الكثير من الاستنتاجات والإحصائيات أخرى عن هذا الموضوع، ومنه أي الجنسين أكثر حديثاً، ومن نافلة القول أنه جزء من علم اللغة الاجتماعي ولا يُمثله كله وربما اختلفت الاستنتاجات – بإقرار المؤلفة – بين المجتمعات.

نُشرت هذه التدوينة على أراجيك

جمالية الأُلفة وإِلفُ

يُبنى تلقّي العِلم على معارف المُتعلم السابقة وهو ما يسمى “schemata” ، وقد تعرفتُ على هذا المبدأ من مصادر أجنبية أو لأقلْ جمّلته لي وتطبيقاته في التدريس هذه المصادر. فحين تشرح مفهوماً جديداً، قدّم له بما يعرفه الطالب ثم اربط بين هذه المعرفة القديمة والمعرفة الجديدة.

استثمرتُ هذا هذا المبدأ في بعض المفاهيم التي لا يتقبّلها الطلبة ابتداءً مثل الأفعال الشاذّة

irregular verbs

لأنها غير منطقية بنظرهم، أو المتلازمات اللفظية

“collocations”

لأن المفعول به في الإنجليزية يختلف عنه في العربية وإن اتفقت اللغتان في الفعل. فأقدّم للمفهوم بالعربية مما يألفه المتلقي، ثم ما يُشابهه في الإنجليزية فتسكن نفسه ويسير الدرس على ما يُرام 🙂 .

مع ذلك لم أجد فيما أعرف من كتب عربية حول التدريس والتعلّم والعلم ما يعرض هذا المبدأ بنفس تلك الجمالية التي وجدتها في المصادر الأجنبية. شككتُ بسعيي وليس باللغة وتراثها لأنها لا تُعدمه حتماً.

حتى وقعتُ يوماً على من يذكر كتاب “جمالية الألفة” للدكتور شكري المبخوت، علمتُ أنّه تونسي، ولأهل المغرب عموماً طريقة فريدة في تناول مباحث اللغة. بحثتُ عن الكتاب ولم أجده للأسف لا في الشبكة ولا في معرض الكتاب المُقام آنذاك. وفي حديث شجي مع صديقة متخصصة بالعربية حول الحياة وجمالياتها ذكرتْه ثم أكرمتني بنسخةٍ منه، وتكون تلك الجلسة آخر جلسة قبل جائحة كوفيد19.

منذ سنتين وأنا أقرأ في الكتاب قليل الصفحات نسبياً عميق العرض جميل السّرد. تشعر بالدكتور يُخاطبك بلغةٍ عاليةٍ تفهمها وتستلذ بها ولا تستطيع مجاراتها ولا تريده أن ينتهي. يحكي لك أنّ السّلطان في الخطاب للمتلقي وليس لك، ومهما بلغ علمك أقبِل على من يسمعك بما يألفه ويستحسنه ثم أبدع له بما تُريد، ثم يفيض عليك بظاهرة التقبل وأنواع المتقبّل والذوق والجمالية والمألوف. ثم وأخيراً يفصل لك فيما يتعلّق بالشعر الذي هو أصل إلف العربي لما يسمعه.

فضلاً عن عفوية بلاغته في العرض، هوامش المؤلف متنٌ آخر، ومما يشترك فيه مع نظرائه المغاربة الإحاطة بالمفاهيم وفلسفاتها حتى في اللغات الأجنبية -وغالبها بالفرنسية- فيعقد المقارنات القليلة أو يحيل القارئ ليتبحّر.

يقول د. المبخوت عن سبب تأليف الكتاب :” لهذا سعينا إلى تلقّط تلك المادة الغُفل من مظانها ووصلناها بنظرتهم إلى الكتابة عموماً طامحين إلى الكشف عن النظام الخفيّ الذي يشدّ ما تفرّق منها والأساس النظري الذي تقوم عليه.”

لم أعرّف بالكتاب بما يليق به، لا شك عندي في ذلك، وما زلتُ تحت تأثير جمالية هذه الفكرة التي عمِل عليها د. المبخوت حين كان الباحث يتنقل بين الرفوف بنفسه وينسخ بيده ويعيد مسوداته، صدر الكتاب عام 1993، مع ذلك أدعو لقراءته كلّ مهتم ببناء الخطاب والجمال اللغوي والنقد الحداثي، والمتخصصين اللغويين طبعاً قبل غيرهم.

وقفة

د. شكري المبخوت أكاديمي وروائي وناقد، نال عدة عدة جوائز عالمية وتُرجم له للإنجليزية والإيطالية، ومن محكّمي قائمة البوكر الطويلة بالعربية، وعمره الآن 59 عاماً. يا لها من حياةٍ عريضة.

التدوينة الأصلية على أراجيك

لانغويش: غمامة الكورونا

عُدنا للعمل الحضوري بعد عامٍ وأشهر من العمل عن بُعد. لم أتوقع من نفسي الاشتياق إلى مسابقة الوقت للوصول إلى المحاضرة قُبيل موعدها، أو الجلوس في المقهى القريب والاستمتاع بمناقشات الطالبات وأحاديثهن. إلا أنّ نفسي راكِدة؛ أُلزم نفسي إلزاماً بالحديث والتواصل إذا انتبهتُ لصمتي. أمّا المُحاضرات فالجُهد فيها مُضاعف لأني لا أحمل نفسي عليها فقط، بل حتى الطالبات وذلك مما ضاعف الشعور الغريب بالوهن. غمامة غريبة كانت تُظلّهن أيضاً؛ حالة من الشرود والسرحان، لكن حتى حين تنتهي المحاضرة، لا أحد يتحرك! أوعزتُ ذلك إلى إرهاق اليوم الدراسي الطويل الذي ينتهي عند العاشرة تقريباً. وأنا كدتُ أعود للبيت في منتصف اليوم الدراسي عدة مرات بسبب غلبة الوَهن عليّ، أو ما يُشبهه. ظننتُ ذلك بسبب الكِمامة واختناقي بها خلال الشرح، فكان كل ما أريده هواءٌ نقيّ، إذ أشعر وكأني قد استنشقتُ غازاً أو كيراً ليحجب الإرسالات العصبية عن دماغي.
استغلّت الأسئلة الوجودية هذا الوضع بين الوهن والهلوسة فأخذت بالإلحاح. كان أمامها عام وأكثر لكن ما تزيّت إلا الآن فتجاهلتها لأنه ليس بي طاقة لبيزنطية بعضها. وكنتُ أنهي النقاشات والجدالات الواقعية بعبارات مثل: “نعم، أتفق، لم أفكر بعد، لم أتخذ موقفاً .. ”
وضعٌ يُشبه الطرفة القديمة إذ يُحكى أن نجاراً كان قد كلّ من عمله، فأسقط مسماراً سهواً، فأفرغ علبة المسامير قائلاً: “أحضروا صديقكم.”
انقشعت الغمامة شيئاً فشيئاً، لكن أرّقني توقُ معرفة اسم هذه الحالة. وقد تعثّرت بها بينما كنت أبحث عن موضوع آخر منذ أسبوعين. اسمها

“languish”

أي الوَهن والذبول والتبلّد التي إن طالت تسببت بحالة أو الكرب،

“anguish”

وتشير لمعاناة ذهنية عصيّة. وقد سكّ الأولى عالم اجتماع معاصر.
كلا الكلمتين قديمتان، لكن بُعثتا لتُعرفا مفاهيم علمية، حيث انتقل المعنى من المعنى الذي وُضع له إلى المعنى المستجد، وبينهما تقارب، الظاهرة اللغوية التي تُعرف “بالتطور الدلال

(Semantic Change)

تسكن النفس أحياناً إن استطاعت وصف ما بها.
وإن أردت التعرف على ما أتعثر به أيضاً من شؤون اللغة والترجمة فدونك النشرة البريدية

An Arab Lost in Language

الموت في أمريكا (تجربة احتضار مُترجمة)

الموت في أمريكا Dying in America 

تدوينة كتبتها إليزابيث هانسون، أخت حمزة يوسف، حول تجربة الاحتضار التي مرّ بها والدها وشهدتها عائلته. نطق والدهما الشهادة قبل وفاته بأسابيع، وأوصى أن يُغسّل ويكفّن كما المُسلمين ويُدفن في مقابرهم. كتبتها قبل وفاة والدها بنصف ساعة فقط، ورأيتُ نقلها إلى العربيّة لما لامسته منّي ومشابهة التجربة والأوصاف لما مرّت به عائلتي مع والدي وجدّي لامي، رحم الله أموات المسلمين. 

النصّ:

أحضرنا والدي إلى البيت من المستشفى منذ أسبوعين ليقضي لحظاته الأخيرة بسلام. قيل لي إن سكرات الموت تستغرق ساعات أو أياماً قلائل إن طالت. واجه والدي هذه السكرات عدّة مرات إلا أنها كانت تنتهي دون وفاته. شهدنا أكثر من مرة مشهد الاحتضار حيث تجمّعت السيارات وسارع الجميع إلى غرفته ليكونوا قربه، تحوطناه وما ظنّنا إلا أنها أنفاسه الأخيرة، إلا أنها لم تكن كذلك إذ كان يعدّل جِلسته ويطلب ما يشربه أو النزول عن السرير. ودّعته خمس مرات على الأقل. لوالدي إرادة حديدة  خيّبت التنبوءات الطبيّة التي توقّعت وفاته منذ زمن طويل، وما زال صامداً رغماً عنها.

اختلفت ردود أفعال الأحفاد. أحدهم، وهو إبراهيم، يُلازم والدي في زياراته ممسكاً بيده مواسياً له. أما الآخر، وهو ابني عمر، فهو يهرع يومياً إلى غرفة والدي سائلاً إياه بصوتٍ عال” جدي، كيف حالك؟” أظن أن والدي يشعر بالاطمئنان نوعاً ما لأنّ شيئاً لم يتغيّر، ما دام هذا الطفل مهتماً على الأقل. أحد الأحفاد الصغار، ماثيو، كان خائفاً من رؤيته حتى اعتاد فكرة أن جده يحتضر الآن. صار الآن يتصرف كما لو كان محاميه، فإذا ما أرد الجد شيئاً، غير ممكنٍ ربما، كالنزول عن السرير في وضع يوحي بأنه في لحظاته الأخيرة، فإن ماثيو يطلب منا احترام أمنيته الأخيرة. يرى الأطفال أحياناً الأمور بنقاءٍ شديد.

لدينا انفصال عن فكرة الموت في ثقافتنا، وبما أنّي اعتدتها لفترة طويلة، بدأت لتوي إدراك حجم إنكار الموت. الموت الذي نخافه، الذي نحمي أطفالنا منه، الذي نحتجزه خلف أبواب المشافي.

رجانا والدي أن نخرجه من المشفى، وهذا ما فعله أخي وزوجته حيث استقبلاه برحابة في منزلهما. كان يعتقد والدي بأنه قد يُقتل فيها (وهذا ما كاد أن يحصل مرتين)، ولم نرد طبعاً أن يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وما أرخص الموت حين يكون تجارةً في أمريكا. تُدرّ إطالة أمد حيوات النّاس عن مواعيد وفيّاتهم أموالاً طائلة وذلك بوضعهم تحت التمريض المنزلي وحقنهم بالمهدئات التي ستفوّت عليهم خوض أعظم حدث في حياتهم.

هل ذكرت الشركة (المتخصصة في الجنائز) واستغلالها مساعدة المتوفّى في انتقاله لمثواه الأخير؟

أقرب ما يمكن مقارنته بالموت، بظنّي، الولادة، حيث الاستعداد النفسي وآلام المخاض والمواعيد المباغتة التي لا يمكن لأحدٍ التنبؤ بها. هناك أيضاً سيل المكالمات من أفراد العائلة والأصدقاء القلقين المتسائلين “هل وُلد الطفل أم لا؟” لا فرق بين ذاك وما يحصل خلال انتظار الموت، إلا أن الرسائل النصيّة حلّت محل المكالمات والسؤال يصير “كيف حاله؟” تنازعني نفسي عند الرد على هذا السؤال لأن إجابته المنطقية “لم يمت بعد،” إلا أن لدينا الكثير من الأدبيات حول ما يتعلّق بالاحتضار والموت، فإن لم يكن في “لم يولد الطفل بعد،” بأس، فإنه ليس من المقبول اجتماعياً أن تكون مُباشراً بهذا القدر إذا ما تعلّق الأمر بالاحتضار. “إنّه يذبل،” أقصى ما يمكننا الإجابة به.

أقدر الذين لا يسألون إلا عن حالي، إذ أن ردّي المعهود هو “عالقة بالحياة،” أسير على سلكٍ رفيعٍ جداً، إلا أنّه ينقطع أحياناً فأهوي وأنهار.

الآلام التي تصاحب الموت تشابه تلك التي تصاحب الولادة حيث الآلام التي لا تحتمل هي التي تساعدك على الخروج من هذا العالم وكل ما تحبّه. إلا أنّ المشافي تُحاول تفاديه بأي ثمن. يضخونك بالمورفين، الذي يعجّل الموضوع، كما يكتفي مسؤول التخدير بالتخدير الكامل لمنطقة الولادة لإماتة ألمها، أو الحقن بهرمون الأُوكْسِيتُوسين  ليُولد الطفل قبل أوانه. لا شك أنه لابد من الأدوية، إلا أنها أحياناً ليست إلا مُسكّنات، لا تُقارن منافعها بمضارّها.

أعطوا والدي المروفين ورأيته قد دخل في غيبوبة، ظللت ولمدة 12 ساعة ألحّ على الممرضات بأن شيئاً على غير ما يُرام قد حصل، وطالبت برؤية الطبيب، وأصررن على أن هذا طبيعي. هددتهنّ أخيراً بنزع الأنبوب عنه بنفسي، فأزلنه، ثم استعاد وعيه تدريجياً. قصرنا الآن تناوله المورفين بناءً على طلبه وذلك بعدما نبذل كل ما بوسعنا في سبيل راحته فلا تتحقق. يتناول المورفين في الليل أحياناً، وأحياناً أخرى تمرّ الأيام بلا أي جرعة منه. لم يتناول والدي في حياته أية أدويّة، ويفضّل أن لا يتناولها الآن. لحظاتنا التي نقضيها معه لا تقدّر بثمن إذ يكون رائقاً صافيَ الذهن، وهذا يحصل حين لا يكون نائماً. بخلاف ما يحدث الآن حيث ينام كثيراً.

لتأتي بعد ذلك مهمة إعداد المرء نفسه للحظة التي لا يمكن تفاديها ولابد علينا جميعاً مواجهتها. كُنت ضد إخبار والدي بأن حالته ميؤوسٌ منها، إلا أن إخوتي قرروا ذلك. أعتقد أن الناس تُدرك ذلك بنفسها، إذ كيف بالإنسان أن يحتضر ببطء فلا يعرف ذلك؟ أشبه ذلك بالمرأة التي تعرف أن زوجها يخونها، فإذا ما ظهر الأمر للعيان قالت إنها كانت تعلم بذلك إلا أنها لم تتمكن من السماح لنفسها بتقبّل الأمر حتى تستعد له. سلبت إحداهن فؤاد زوجها كما يسلب الموت حيواتنا. نقبل بهذا الواقع حين نستعد له ولا يليق أن يكون إدراكه متعجّلاً. يصير الواقع عقوبةَ إعدام إذا ما فُرض قسراً. يقول الطبيب “إن أمامك أسبوعان لتعيشهما،” فيموت المريض في الصباح التالي. يتكرر هذا السيناريو كثيراً وقد سمعته بنفسي. إرادة والدي صارت تتراخى شيئاً فشيئاً، الإرادة الحديدية التي لم تُقهر طوال 89 عاماً.

في أحد الأيام، وحين ظننا أن النهاية اقتربت، كان علينا التهيؤ لاستعدادات دفنه. وجدنا مقبرة جميلة بالقرب من المحيط – وكان والدي يُحبه – وأسعدنا أن نجد له مكاناً كهذا ليرقد فيه. إلا أن القبور كانت قد بِيعت. إلا أننا تمكنّا، ويا لها من معجزة، أن نشتري إحداها من طرفٍ ثالث عن طريق وسيط عائلي. يزدري والدي الشركات التي تتولّى ما تعلّق بالأدبيّات العامّة والأعراف وكذلك أبناؤه. لن نُسلّم جنازة والدي لأي شركة ما استطعنا ذلك. هل أخبرتكم أن إحدى المقابر عرضت علينا سعراً مخفّضاً إذا ما اشترينا القبر قبل رحيله؟

لا نريد أن يُهمل والدي في المشرحة الباردة وحيداً، لأيّام، ثم يُشيّع إلى المقبرة على أكتاف غُرباء. إذن، إذا ما حانت تلك اللحظة، وإذا ما سار كل شيء كما خططنا له، سنُغسّل جسده في المنزل ونشيّعه بأنفسنا. يتطلب التشييع إذناً وشهادة وفاة طبعاً. عادة ما تتولّى المدافن هذه الأمور، إلا أنها لن تساعدك إذا لم تطلب خدماتهم كاملة. اتصلت بعدد منها حتى توصّلت إلى رجلٍ لطيفٍ اسمه رودني، في المدينة الأخرى، وأبدى استعداده لمساعدتي. وحين حان موعد دفع قيمة خدماته، لم يقبل منّي أي شيء. من يصدّق أن مندوب المبيعات في أحد المدافن هو الذي سيذكّرني، في خضّم التعامل مع هذه التجارة، بأنه ما زال هناك أناس أخيار؟

قلب والدي كل المعطيات في توقعات استمراره بالحياة، وفقاً للأبحاث الطبيّة الحالية على الأقل. كان له مزاج الآيرلندي الذي لا يعجبه السكون. كان يأكل الكثير من اللحم والبطاطس ويرفض أكل أي شيء أخضر، وقليلاً ما مارس الرياضة بعد تجاوزه الستين. وكما قلب كل معطيات استمراره بالحياة، قلب كل معطيات احتضاره وبدا جميلاً في ذلك. لطالما كان الجلوس إلى جواره نوعاً من الاستشفاء، يوماً بعد يوماً، ومشاركته هذه الأيام الأخيرة، دون أنابيب مزروعة ولا إزعاج متواصل من العاملين في الرعاية الصحيّة المُلزمين باتّباع الروتين الموحّد للتعامل مع كل الحالات حتى تنتهي. يترجّل والدي عن الحياة كما يريد في الوقت الذي يُريده، مُحاطاً بعائلته وأصدقائه حيث الإدراك العميق لعملية الاحتضار التي يسّرتها رعاية المسنين في المنازل. هذه العملية هي الطريقة الطبيعية لترك الحياة وليستفيد الأطفال ممن شهدها درساً لا يُنسى في إبداء الاهتمام والتلطف والاحتضار.

من قصائد والدي المفضلة قصيدة “وقفة عند الغابة ذات مساءٍ مثلج” لروبرت فروست. كان مأخوذاً بهذا الشطر تحديداً “لمن هذه الغابة يا تُرى؟ أظّن أنّي أعرف.” “أظن أنّي أعرف” تُشير إليه. غالباً ما يُداهمنا النّوم* قبل أن نحقق غاياتنا، وقد خططنا لها على الأقل. في حالة والدي، كان قد انتصف في كتابة كتابٍ حول مصداقية تأليف مسرحيات شيكسبير وعن مواقع مخطوطاتها الذي كان يعتقد أنها دُفت في جزيرة أوك في مقاطعة نوفا سكوتشا. كُنت أتطلع لقراءة كتابه، والآن سأبذل وسعي لأنهيَه لأجله.

تمهيد

رحل والدي أمس الساعة الثامنة مساءً ، بعد ثلاثين دقيقة من كتابتي لهذه التدوينة. كان رجلاً ألمعياً بقلبٍ من ذهب، وقد منحه الله أفضل خاتمة. لترقد بسلام، والدي العزيز..

* تقصد بالنّوم الوفاة، ويُعبّر عن النوم بالوفاة الصُغرى.

نُشرت الترجمة على منصة أكتب عام 2016

كيف هو شكل الحياة عند وحيدٍ أعزب؟

السطور التالية ترجمة لاعتراف امرأة اختارت أن تكون عزباء، باحت بهذا الاعتراف عندما وصلت سن السادسة والخمسين. (لم أجد الحساب الأصلي الذي نشر الاعتراف بالإنجليزية)

ترجمة نصّ الاعتراف:

“أبلغ من العمر 56 عاماً، ولم أتزوج قط.
وهذه حقيقة واقعي التي لا أستطيع البوح بها للآخرين.
كانت الحياة رائعة وممتعة حتى بلغت الأربعين. تطلعت حينها لماضيي ولاحظت كم التجارب الرائعة التي خضتها، إلا أن شيئاً ما كدّر صفو خاطري.
أدركت في سن الخمسين أن الحياة كانت لتكون أثرى لو أني شاركت تجاربي هذه مع أحدهم.
وفي سن الثالثة والخمسين بدا لي، وكم كان ذلك مرعباً، أن لا أحد معي لأخبره بقصصي والأهم أن لا أحد يخبرني قصصه، وهذا ما خسرته.

اعتلت صحتي واضطررت لتوظيف من يساعدني بما أنه ليس في حياتي من يمكنه ذلك، لأفيق على الصدمة الكبرى: سأبلغ منتصف العمر ولا أحد إلى جواري يمد يده لي.

لا أنكر أنه من الرائع أن تقضي بعض الوقت لوحدك مسترخياً لا ينغصّك شيء، إلا أنه وبعد ستٍ وخمسين عاماً أدركت أنّ البشر كائنات تحب الاجتماع، إذ نُريد المشاركة، نريد شعور بالحب، نريد أن نكون جزءاً من شيء يتجاوز أفكارنا الخاصة.

أعيش الحياة وحيدةً تماماً، وهي الحياة التي لا أنصح أيّ أحد بأن يعيشها، فالوحدة ألمٌ لا يُحتمل أحياناً.

لو عاد الزمن وقُدر لي اختيار أسلوب حياتي مرّة أخرى فلن أختار ما اخترتُه.”

نشرت بتاريخ:

01/02/2016

العَقد المِفصلي

مشكلات الشباب حول العالم في معظمها متشابهة وإن اختلفت بعض عواملها ومسبباتها، الاطلاع عليها يُيسر علينا معالجتها أو حتى الوقاية منها.

هذا الكتاب الممُيز -وأتمنى ترجمته يوماً ما- حصيلة سنوات من الاستقراء ومتابعة المرضى في عيادة كاتبته، د. ميغ. عنونته بـ ” The Defining Decade” (العقد المفصلي) لأن غالب مرضاها من الشباب العشريني. اختارت هذا العنوان لاعتقادها أن هذا العقد هو الذي يُحدد العقود التي تليه إذ هو الفترة الذهبية والحاسمة في اختيار طريقة الحياة والمهنة والتعليم.

Read More »

ما هي قواك الخارقة؟

مقال نُشر في 13/4/2019

في أوّل أسبوع لي في التدريس الجامعي قيل لي: “ياما لك من قلّة الأدب والاستهتار.”

تتعامل في مجتمع الترجمة مع راشدين، قواعد التعامل هي القواعد الخلُقية والمهنية، وأعدادهم محدودة وتواصلك مع طرف واحد غالباً، واصغر من تعاملت معه كانت في السنة الثالثة في تخصص الترجمة. ثم وبعد اعتياد على هذا السياق الاجتماعي، أنتقل لسياق اجتماعي أوسع أقابل فيه يومياً ما لا يقل عن 100 كائن حيّ ( معدل الشعب ما بين 45 – 50 ، أدرّس ما بين 3 إلى 5 شعب )، ومع بداية كل فصل تصيببني عدوى في العين وتحسس في البشرة وإنفلونزا بسبب هذا التواصل مع هذا العدد الكبير.

Read More »

تتعامل في مجتمع الترجمة مع راشدين، قواعد التعامل هي القواعد الخلُقية والمهنية، وأعدادهم محدودة وتواصلك مع طرف واحد غالباً، واصغر من تعاملت معه كانت في السنة الثالثة في تخصص الترجمة. ثم وبعد اعتياد على هذا السياق الاجتماعي، أنتقل لسياق اجتماعي أوسع أقابل فيه يومياً ما لا يقل عن 100 كائن حيّ ( معدل الشعب ما بين 45 – 50 ، أدرّس ما بين 3 إلى 5 شعب )، ومع بداية كل فصل تصيببني عدوى في العين وتحسس في البشرة وإنفلونزا بسبب هذا التواصل مع هذا العدد الكبير.

Read More »