مرة أخرى: لماذا تتحدّث النساء هكذا؟

في تدوينة سابقة كان الموضوع طريقة حديث النساء، وفي هذه التدوينة سنتناولها مرّة أخرى وليست الأخيرة بطبيعة اللغة.

“النساء ثرثارات” لا أذكر متى سمعت هذه العبارة، لكن الأكيد أنها في المرحلة الثانوية أو الجامعة، ولم يعجبني ذلك لأن الجميع في بيئتي يتحدّث، نساء ورجالاً، بناتٍ وصبيان، وحين نقول “صموت” أو “ثرثار” فإننا نشير لشخص المتحدث وليس جنسه. حتى مع ثورة الإنترنت، لم نفرق بين كتّاب المنتديات وإن كانت أقلام الأسماء الرجالية هي الطاغية، وعرفنا لاحقاً أن بعضها لشخصيات نسائية. بمعنى كنت أتفهم كتابة المرأة باسم محايد أو مذكر، ولم أستغرب طول مواضيع الأسماء الرجالية وكثرتها، وأذكر حين أشارت أمي لمقالة أنها بقلم سيّدة فبعض الكلمات تستخدمها النساء حصراً. وهذه من العلامات التي كانت يستدل بها باحثي الأدب الإنجليزي لكشف هوية كاتب روايةٍ ما إذ كانت جُل الروايات -بما في ذلك الشهير منها- بأقلام سيّدات وأسماء رجال لأسباب اجتماعية، وهذا موضوع أمتع من موضوع هذه التدوينة وأختها..

على أي حال، ما دام من يتحدث أكثر لا يهمني، ما الذي يدفع للكتابة عنه؟

كتاب Languages Myths هو الدافع

الكتاب مجموع مقالات علمية مبسّطة حول خرافات لغوية ما زالت متداولة بين الشعوب سواء عن لغاتهم أو لغات الشعوب الأخرى، طُبع أوّل مرة عام 1999. عرضتُه مرّة على إحدى الشبكات الاجتماعية وأشرت لبعض المقالات المهمة، فوصلني تعليق عن مقال “Women talk too much ” ولم يكن مما أشرت إليه

يتناول خرافة أن النساء يتحدثن كثيراً، وهي عبارة تعني ضمناً إلى قلة حديث الرجال، كان التعليق أنّ جميعنا يعرف أنها حقيقة وليست خرافة، ليذكرني بقول صديقة “لطالما عاب الرجال ثرثرتنا، لتكشف لنا الشبكات الاجتماعية أنّهم يثرثون أكثر منّا”

لأقرأ المقال الذي لم أستغرب محتواه، ألا وهو أنّ نعم، النساء يتحدثن أكثر في سياقات معينة وأدوار معينة خاصة ما يرمي منها، والرجال يتحدثون أكثر منهن في سياقات أخرى وأدوار أخرى، ويتساوى الجنسان في كثرة الحديث إذا ما اجتمعا على غايتي التأثير والظهور وحظيا بالسُلطة والنفوذ، والتنافس اللغوي بين الجنسين مرّده غايات شخصية ومؤثّرات اجتماعية أخرى. المقال مرفق مصوراً لمن يريد ترجمته لغاية عامّة.

ما لفتني في المقال هو ما تعلّق بالمعلّمين، ففي حين تُلاحظ ظاهرة ضعف مشاركة الطالبات في الفصل وقلة حديثهن مقارنة مع الطلاب، وذلك لأسباب اجتماعية منها اعتبار المشاركة مع المعلّم “تباهياً” ، ومحاولة المعلمين حثّهن على المشاركة والعدل بين الجنسين خلال النقاشات والمشاركات، نُظر للمعلّمين (من الجنسين) أنّهم يُفضلون الفتيات على الفتيان، وما اختلف في ذلك -حقيقةً- إلا طريقة الحث على المشاركة، إلا أنّ هذا حكم مُسبق يُجازف به في مثل في أغلب السياقات التي تجمعهما.

حاولت بعد قراءة المقال مقارنة حديثي بحديث الطالبات في القاعة، ولم تكمل هذه الدراسة الذاتية أسبوعاً لأن النتيجة ظهرت سريعاً، وكلّه بسبب أمي التي أوصتني يوماً ” لاري كينغ يتحدث 22 ألف كلمة في اليوم، لا كلمة تشبه الأخرى، تحدثي أكثر منه” 🙂

إخلاء طرف | 1 صلاة الشكر

برزخ، أحب هذه الكلمة، وكأنها محطة انتظار طافية لتنتقل من عالمك السابق لعالمك الجديد دون عودة، حالة من اللاشيء، مطمئن لما فات ولتجاوز ما سيستقلبلك مخيّلتك، لا تنشغل به. ومن البرازخ التي عشتها الخميس الماضي، حيث أخليتُ طرفي الأربعاء من مقر عملي السابق، ولمّا يصدر قرار توجيهي للجديد، فصرتُ في برزخ.

دلفتُ استقبال المبنى السابق، إذ لا بد من إثبات تقيّد الحياة بي بإثبات الحضور. أوّل فكرة طرأت لي: لو حصل لي طارئ، وفارقت الحياة قبل إثبات حضوري، في هذه المرحلة البرزخية، ماذا سيُكتب في جهة عملي؟ لا أريد طبعاً أن يُكتب أني فارقت الحياة على أرضية المبنى أو مصعده أو عتبة المكتب المسؤول.

كنتُ قد أنهيت فعلاً كل أعمالي ومهامي منذ منتصف رمضان، آخر مرّة أقدم محاضرة لبرنامج تحضيري، آخر مرة أرصد الدرجات له، آخر مرّة أختم آخر وحدة في منهجه، أواخر وأواخر.. شعور حزين صغير أطلّ على قلبي حينها، لم أطرده لكنه اختار أن يتبدد. هذه سنة الحياة، التحولات والتنقلات، الخواتيم والبدايات، وكل من ثبت، جَمَد، ولم أكُن وحدي فيما مضى، أهلي وأساتذتي والصديقات رافقوني مغامرات ذلك العالم.

أقول مغامرات لأن كل يوم جديد يحمل معه تحدياته، انتصارات صغيرة على مدار اليوم، وهزائم أصغر تحاول تعويضها اليوم التالي.

كنتُ أظنّ أنه سيحصل شيء كوني إن أتممتُ تدريس ألف طالبة، فاللذي حصل أني طمحت للوصول للطالبة التي تتم الألف العاشرة، وانتقلت الرغبة من متابعة دورات معتمدة إلى الحصول على رخص مهنية، ومن تدريس ما أطمئن له من مواد إلى ما أتحاشاه.

من يسعد أكثر من الطالبات عند حصولهن على درجات مرتفعة؟ أمي، لأنها دائمة الدعاء أن ينصرهن الله عليّ، بالرغم من أن انتصارهن عليّ هو تمكنهنّ على المعايير الموضوعية في تقييم المادة.

حين أمرّ بيوم طويل وكل ما أريده هو الاسترخاء خلال وقت الاستراحة أو الساعة المكتبية فتأتي طالبة وأتذكر وصية أخي بأن الأستاذ لا يستطيع تحديد حاجات الطالب النفسية والاجتماعية من التواصل مع أستاذه، فلا يكن المنهج هو الصلة الوحيدة بينكما. وما زلت أحاول بناء صلات أخرى.

مقولة أحد أساتذتي :” [ننحاز للعلم والتربية، ونكبت حظوظ النفس وانتصاراتها].” أطفأت كثيراً من ردود فعلي، كما أن الفئة العمرية التي تأتي منها طالباتي آنذاك للتو استبدلت فستانها المنفوش وارتدت الزيّ المحايد وما زالت تحب الحلوى وتستخدم الجوال خفية فرضت عليّ رحمةً لا أدري كيف صبغتني، وهذه مقولة أخرى لأستاذ آخر :”[انظر لطالبك بعين الرحمة، فإذا رحمته استطعت تعليمه ورفعت الجهل عنه.]”

مررتُ بمنطقة القاعات التي قطعتها ذهاباً وعودة، هرولةً وزحفاً، صباحاً بُعيد الفجر ومساءً قُبيل العاشرة، لم تتراءَ لي الطالبات، لم أسمع “يا حادي العيس” لم يخطر لي ” وما حبّ الديار شغفن قلبي” .. نفسي ساكنة ومُطمئنة، لم تحزن ولم تفرح، ولو قيل عودي لما مضى لن أعود طبعاً، ما قطعنا ما قطعناه هوناً، حتى الإخفاقات كانت دروساً تعلّمتها ولو كان بيدي أن لا أخفق لفعلت طبعاً.

لكن خطر لي الأستاذ عمر فرّوخ، ومقالاته حول التعليم ومما علق في نفسي من رأيه أن الطالب ربما لا يعرف أن مصلحته في العلم هذا أو المفهوم ذلك، لكنك معلماً تعرف، وهذه مسؤوليتك ولو لم يُنصّ عليها.

صليت الصلاة الأخيرة في المبنى، وشكرتُ الله على ما مضى، ثم خرجتُ على قيد الحياة مع عبارة “نجونا!” أستحث بها نفسي الساكنة لتشعر بشيء 🙂 فتحمستُ لأكتب أسبوعياً عن تجربة الأعوام الست، وهذه التدوينة بدايتها. وهنا شذرات منها.

صورة التدوينة عبارة وجدتها في دفترة متروك في القاعة التي راقبت فيها أوّل آخر اختبارٍ قبل إخلاء طرفي.

بين الترجمة والتدريس

أعتقد أن للترجمة دور فاعل في تغيير حياة كل من تعرّض لمنتجاتها بطريقة أو أخرى، الدين والفكر والفن..حتى الحرب لابد أن تجد للترجمة يد فيها؛ والمُترجم هو بالضرورة مفكّر ومؤلّف ووسيط، قارئ وكاتب وشاهد؛ عدّة أدوار في شخصٍ واحد.

تدريس اللغة مختلف عن تدريس الترجمة أو ممارستها، وإن كانا غير منفكين خلال عملية الترجمة، إنما الغلبة في الترجمة لجوانب رئيسية هي ثانوية في تدريس مهارات اللغة، وفي تدريس اللغة التركيز على مهاراتها والترجمة فرع فيها.

مع ممارسة الأدوار المتعددة للمترجم وتضخم فصّيّ دماغه، يتشكّل لديك تصور أن دورك أكثر من كونك ناقل، وعليك أن تتحمل مسؤولياته باستحقاق. خلال استيعابي لهذه الحقيقة بدأت تدريس مهارات اللغة في الجامعة. عدّه البعض نقلة نوعية، ولا أعتبره إلا تغيّراً في طبيعة الدور الجديد للشخص الذي شكّلته الترجمة مع عوامل أخرى، أنا.

المراهقات اللاتي كُنت أتواصل معهن عبر منصة نون التعليمية، صرت أراهن أمامي، الطفلات اللاتي نعمل لحمايتهن عبر مشروع نبيه، هؤلاء أخواتهن، الرياديات والإعلاميات اللاتي قرأنا شذرات من معرفة لهن، ها هن يتشكّلن تحت عيني.

أجواء التدريس تختلف تماماً عن أجواء الترجمة، إذ أُضيف إليها مهمّة التربية، ومن اللطيف أني اكتشفت أن بين التدريس والتسويق علاقة طيّبة غير معلنة مما يسّر المهمة وإن كانت لا تزال تدهشني تحدياتها.

كنت أصبر على تفكيك نصّ، صرت أصبر على شكوى طالبة من صعوبة اللغة.

كنت أتخيّر الطريقة الأفضل للتعبير عن فكرة، صرت أفصّل الأسلوب الأنسب لشرح قاعدة.

كنت أتأثر بالنص حزناً وفرحاً وحماسةً، صرت أتفاعل مع الطالبات بأفراحهن وأتراحهن، وما لا شأن لي به أحياناً.

كنت أحاول أن أقدّم خطة لترجمة عمل، صرت أحاول إشعال القناديل المؤدية إلى المحطات التالية للطالبات.

كنت أشعر بأدمغة الطالبات في يديّ أشكّلها كيفما أشاء، كما أفعل بدماغ قارئ نصّي المترجم، فالجامعة المجتمع المصغّر للمجتمع الكبير الذي سندفع صغيراتنا إليه يوماً ما، وبحسب تعليمنا وأساليبنا وتوجيهنا سيكون المجتمع. فكما أعلّمها كيف تقرأ وتتحدث، أعلّمها كيف تفكّر وتفهم وتؤثر.

من الأمور التي أركّز عليها نبذ الترجمة خلال تعلّم اللغة، مرّة، في قاعة نائية ومحاضرة لن تنتهي قبل 2.45 ظهراً، شرحت للطالبات تأثير حاجز الترجمة على إدراك المراد من الكلمة أو المفهوم. شعرت وكأنما شيء انعتق، غدون أكثر ارتياحاً. خلال ملاحظتي لحلهن التدريبات شعرت بخفّة، برئتيّ ممتلئتين بالهواء النقيّ، بحرية ذهنية، وكأن خطواتي ليست فوق الأرض، هذا الشعور لم تمنحيه إلا الترجمة ومجال آخر، سُعدت أني وجدته في هذه التجربة الغضّة وبدايتها.

وهذا مما أرجو أن ينتقل للطالبات؛ أن تجد خفّةً روحية وتمتلئ بالهواء النقيّ وتتمتع بالآفاق الفكرية كلما انخرطت في معرفةٍ ما تشبهها أو كانت تقوم بمهمّة على سراط رسالتها.

نُشرت بتاريخ 24/7/2017

moi, je parle français

يُقال إنه كل لسانٍ تتكلّم به يكشف لك بعداً جديداً للعالم.

تعلّمت بعض كلمات بعض اللغات وقواعدها للمعرفة العامة. اللغة هي المنتج المنطوق لفكر الشّعب، الذي يحمل تاريخه وثقافته وطباعه. ولضآلة معرفني باللغات، لا تزال اللغة البوسنية تبهرني، تليها الكورية. اليابانية والمالطية والروسية أمثلة ممتازة لانعكاس فكر متحدثيها، حتى الفرنسية التي قررت تعلّمها مؤخراً تحمل ما تحمل – وستكون هذه التدوينة الطويلة لها.

خبت إعجابي بالفرنسية منذ فترة طويلة جداً، لذلك ليس من أسباب تعلّمها شغفي بها، وكنت أفضّل عليها الألمانية، لكن الأقدار ساقتها لي أولاً، ورغم كثرة التطبيقات والبرامج عن بعد، اخترت دراستها في المجلس الثقافي الفرنسي – حي السفارات.

قُبيل التسجيل كنت أفكّر بطريقة تجعلني أرى تعلّم اللغة بعينيّ الطالبة التي أدرّسها الإنقليزية التي تختلف طبعاً عن عينيّ حين كنت بعمرها لاختلاف الغرض، كما كنتُ أراجع منهجيتي في منع الترجمة كجسر لتعلّم اللغة.

المجلس الثقافي البريطاني حينها لم يكن يقدم دورات تناسبني، فتحوّلت البوصلة للمجلس الفرنسي، أغلقت من البريطاني واتصلت بالفرنسي، ليقول لي ا. خِضر إنه تبقى 3 مقاعد فقط – لا أدري إن كانت حيلة تسويقية لكن أشكره عليها : ) .

دخلت بذهنٍ خالٍ من أي تصورات أو مواقف مسبقة، حتى ما مررت عليه من نصوص فرنسية تناسيته، حاولت تركيز تفكيري على الموقف التعلّمي الجديد، رافقني خوف الخطوة الأولى، وحين بدأت المعلمة بالشرح والكلام ورأيت تفاعل بعض الطالبات معها، استحضرت أول أسبوعين في الكلية، وابتسمت لأن المشاعر ذاتها تكررت. انتهى اليوم الأول ولم أفهم أكثر من 10%. اليوم الأول أطول فترة استمتعت فيها للفرنسية: ساعة ونصف. أصبت بالصداع والهم. ولا تزال الفكرة الأولى عنها حاضرة: “الكلمة الواحدة فيها 15 حرف ولا يُنطق إلا خمسة حروف أو أربعة .” ولمّا اكتشفت الحقيقة انفرجت أساريري لكن ظهرت مشكلة أخرى.

انتظمت أسبوعين، 4 أيام في الأسبوع، ساعتين يومياً، عدا عن ساعات الدراسة بالبيت، كلما مال ذهني لاتخاذ موقف المعلّم المقيّم، أعدته لموقف الطالب، وظللت أراوح بين الموقفين، عدا عن الأسئلة القديمة والمواقف التي وجدت إجاباتها وتفسيراتها في هذه الدورة.

  • كنت أتساءل عن طريقة المصري في نطق الأبجدية العربية، فعرفت أنها مأخوذه من الفرنسية أيام الاستعمار.
  • في الإنقليزية نضيف لاحقة في بعض الكلمات إن أردنا الإشارة للأنثى، مثلاً: actor = ممثل، actrESS = ممثلة، وهذا قليل، أما في الفرنسية فكلمات كثيرة -في المهن خاصة- لها لاحقة للأنثى لكن لا تُنطق، ومجموعة كبيرة أيضاً -الحديثة نسبياً- لم يعد فيها هذا التفريق لتأثير الحركة النُسوية.
  • اللون الوردي بدرجاته كان للذكور والأزرق بدرجاته للإناث، لكن غيرت النُسوية هذا التقسيم، وفي الكتاب صورة لطفل ظنناه طفلة لارتدائه قميصاً وردياً، هل هذا بتأثير النُسوية أم أن الموازين لم تنقلب في فرنسا؟ عموماً، لم أرَ صحة استخدام هذا المثال المُخالف للعموم.
  • لاحظت – وهذه ملاحظة غير الخبير – أن الفرنسية لغة مُهذبة، أكثر بكثير من الإنقليزية، وكثير من كلماتها اللطيفة مؤنثة: بوتيك، بوفيى، باسترِى. ولفت انتباهي تأنيث بعض الأشياء كالطاولة والكرسي والسيارة، وتذكير الكتاب والسبورة والمقهى. أظن أن فكرة التذكير والتأنيث ستكون موضوعاً جيداً لدراسة لغوية – أحادية أو مُقارِنة مع العربية مثلاً.
  • الكلمات الفرنسية ليست طويلة الحروف قليلة الأصوات، لكن أجزاء الجملة طويلة، فهمت بعضها فتيسر تعّلمها. خُيّل لي -بادي الأمر- أنهم خلال الثورة نثروا محتويات جميع قواميسهم وكتبهم وتراثهم وأحرقوا ما استطاعو حرقه، ثم وبعد أن ذهبت الحشود لبيوتها، حاول اللغويون جمع ما تناثر وتركيبه كقطع البازل، وترا! ظهرت اللغة الفرنسية الحديثة.
  • ينسحب التخيل أعلاه على الأرقام أيضاً. ألفاظ العقود ترتيبها منطقي لكن لا أعرف سبب هذا الاختلاف بالتركيب. 88 مثلاً، تصير: 4*20 . 71 تصير: 60+11. 90 تصير 4*20 + 10. 93 تصير 4*20+13.
  • من المشكلات التي واجهتني أن اللسان الفرنسي لا تقرّ أغلب أصوات حروفه على مخرج، لكن سرعة النطق بها تناسبني جداً، ولأني أسرع من المعلمة نفسها كنت أضيّع بعض قطع البزل. لم تكن إذن كلماتهم طويلة، بل سرعة نطقها.
  • المشكلة الأخرى أنها مكتوبة بالحرف اللاتيني، كانت المعلمة صبورة جداً خلال قراءتنا الكلمات بالصوت الإنقليزي “اليابس” بالمقارنة مع ليونة الصوت الفرنسي.
  • هناك بعض الكلمات متطابقها مع الإنقليزية -لأصلهما الواحد – لكنها مختلفة الاستخدام، وهنا تظهر حساسية السياق في الترجمة ولم تكن ترجمة المعلمة دقيقة – لكن تؤدي المعنى.
  • المعلمة  فرنسية الأصل، كانت متّزنة، لم تكن نُسوية متعصبة، لم تكن فكرياً متعصبة لأي شيء أصلاً، على عكس ما يُقال – عن العربيات المتفرنسات على الأقل – لم تكن تتصنع إذ لابد وأن تسقط منك بعض التفاصيل التي تشي بجوهرك. درّست أختي معلمة فرنسية من أصل عربي، كانت تُصدر تصرفات بحساسية وتثير مواضيع لا تناسب السياق التعلّمي إذا كانت حاضرة، وأنا قابلت دكتورة من أصل عربي أثارت موضوع ديني وناقشته بهجومية عالية. بعضهن متفرنسات أكثر من الفرنسيات أنفسهن، لكن تعرفت على مغربيات وجزائريات صححن هذه الفكرة.

مما أذهلني:

  • خلال الاختبار الكتابي كُنت أفكّر باللغة الإنقليزية وليس العربية – وهذه نتيجة طبيعية لإدخال الترجمة في تدريس اللغة -.
  • بعد فترة من شرحها بالإنقليزية، يصير كلام المعلمة بالنسبة لي مبهماً.
  • المعلمة كانت تتكلم الإنقليزية على القواعد الفرنسية: لاحقة الجمع في الفرنسية لا تُنطق، فهي لا تنطقها بالإنقليزية، مثلاً: there are many student، بدلاً عن: studentS – نفس الذي يحصل مع الطالبات.
  • أضفت لوحة المفاتيح الفرنسية، واشتركت ببعض القنوات التي تعلمها، لم اشترِ اي كتاب إضافي إلا في النهاية إذ أغنتني المواقع. مع ذلك تتفوق المواقع الإنقليزية – كما المعلمات – في أساليب الشرح والتوضيح وضرب الأمثلة والتسلسل في الانتقال وموضوعيتها الغالبة.

بعد الاختبار قدمت للمعلمة بعض أنواع الطعام التقليدي -كنت قد أعددت هدية أخرى، لكن غيرتها في آخر لحظة- وكان ممتعاً كتابة وصف كل نوع!

ماذا سأفعل؟

الكثير، حتى أني شعرت بحماس فائق لاستقبال الطالبات وتدريسهن – ابتُليت بهن وابتُلين بي : )

نُشرت بتاريخ 2/8/2017

غُبار السنين

عُمر فرّوخ

دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع

أعتقد أن كل شيء لا يأتي إلا في وقته المناسب، مهما كان بشعاً، مهما كان سعيداً. أعرف غبار السنين منذ فترة طويلة، لكن لم تتسن لي قراءته إلا في رمضان 1437هـ، حيث بدأت بُعيد قراءته عملي في التدريس الجامعي. لم أقرأه لشخص كاتبه، عمر فروخ، بل لأنه عايش الفترة الاستعمارية للشام، بلده لبنان تحديداً، وبدا لي أن ذاكرته صافية جداً، تدور معظم المقالات حول العلم والتعليم والسياسة. تربى في عائلة علمية عاملة كل فردٍ فيها يتولى تربية الآخر، فهذا عمّه وذاك خاله وهؤلاء عماته. تراه يصرّح بمبادئه وأخلاقيته، وأنه لم يتخلّ عنها حتى حين تنقل في أوروبا، حتى أن من عرفه ائتمنه على بناته.

ما أدهشني أنه لم يذهب لأوروبا إلا وقد أتقن العربية والإنقليزية والفرنسية والألمانية، مع ميراث ضخم من التاريخ والتجارب، ولم يقبل منحة أي جهة خارجية، ووقف مع زملائه في وجه من رفض إقامة صف دراسي متقدم مما أثّر على قطع مرتباتهم. ليحكي لك لاحقا المآل المدهش لهذه الخطوات والمواقف والقرارات.

لا تعجبني جوانب أخرى عن فروخ، لكن لا أخفي إعجابي بعنايته بإتقان عمله واستقلالية مواقفه وثباته القيَميّ.

آراك

شوّال 38هـ

جمالية الأُلفة وإِلفُ

يُبنى تلقّي العِلم على معارف المُتعلم السابقة وهو ما يسمى “schemata” ، وقد تعرفتُ على هذا المبدأ من مصادر أجنبية أو لأقلْ جمّلته لي وتطبيقاته في التدريس هذه المصادر. فحين تشرح مفهوماً جديداً، قدّم له بما يعرفه الطالب ثم اربط بين هذه المعرفة القديمة والمعرفة الجديدة.

استثمرتُ هذا هذا المبدأ في بعض المفاهيم التي لا يتقبّلها الطلبة ابتداءً مثل الأفعال الشاذّة

irregular verbs

لأنها غير منطقية بنظرهم، أو المتلازمات اللفظية

“collocations”

لأن المفعول به في الإنجليزية يختلف عنه في العربية وإن اتفقت اللغتان في الفعل. فأقدّم للمفهوم بالعربية مما يألفه المتلقي، ثم ما يُشابهه في الإنجليزية فتسكن نفسه ويسير الدرس على ما يُرام 🙂 .

مع ذلك لم أجد فيما أعرف من كتب عربية حول التدريس والتعلّم والعلم ما يعرض هذا المبدأ بنفس تلك الجمالية التي وجدتها في المصادر الأجنبية. شككتُ بسعيي وليس باللغة وتراثها لأنها لا تُعدمه حتماً.

حتى وقعتُ يوماً على من يذكر كتاب “جمالية الألفة” للدكتور شكري المبخوت، علمتُ أنّه تونسي، ولأهل المغرب عموماً طريقة فريدة في تناول مباحث اللغة. بحثتُ عن الكتاب ولم أجده للأسف لا في الشبكة ولا في معرض الكتاب المُقام آنذاك. وفي حديث شجي مع صديقة متخصصة بالعربية حول الحياة وجمالياتها ذكرتْه ثم أكرمتني بنسخةٍ منه، وتكون تلك الجلسة آخر جلسة قبل جائحة كوفيد19.

منذ سنتين وأنا أقرأ في الكتاب قليل الصفحات نسبياً عميق العرض جميل السّرد. تشعر بالدكتور يُخاطبك بلغةٍ عاليةٍ تفهمها وتستلذ بها ولا تستطيع مجاراتها ولا تريده أن ينتهي. يحكي لك أنّ السّلطان في الخطاب للمتلقي وليس لك، ومهما بلغ علمك أقبِل على من يسمعك بما يألفه ويستحسنه ثم أبدع له بما تُريد، ثم يفيض عليك بظاهرة التقبل وأنواع المتقبّل والذوق والجمالية والمألوف. ثم وأخيراً يفصل لك فيما يتعلّق بالشعر الذي هو أصل إلف العربي لما يسمعه.

فضلاً عن عفوية بلاغته في العرض، هوامش المؤلف متنٌ آخر، ومما يشترك فيه مع نظرائه المغاربة الإحاطة بالمفاهيم وفلسفاتها حتى في اللغات الأجنبية -وغالبها بالفرنسية- فيعقد المقارنات القليلة أو يحيل القارئ ليتبحّر.

يقول د. المبخوت عن سبب تأليف الكتاب :” لهذا سعينا إلى تلقّط تلك المادة الغُفل من مظانها ووصلناها بنظرتهم إلى الكتابة عموماً طامحين إلى الكشف عن النظام الخفيّ الذي يشدّ ما تفرّق منها والأساس النظري الذي تقوم عليه.”

لم أعرّف بالكتاب بما يليق به، لا شك عندي في ذلك، وما زلتُ تحت تأثير جمالية هذه الفكرة التي عمِل عليها د. المبخوت حين كان الباحث يتنقل بين الرفوف بنفسه وينسخ بيده ويعيد مسوداته، صدر الكتاب عام 1993، مع ذلك أدعو لقراءته كلّ مهتم ببناء الخطاب والجمال اللغوي والنقد الحداثي، والمتخصصين اللغويين طبعاً قبل غيرهم.

وقفة

د. شكري المبخوت أكاديمي وروائي وناقد، نال عدة عدة جوائز عالمية وتُرجم له للإنجليزية والإيطالية، ومن محكّمي قائمة البوكر الطويلة بالعربية، وعمره الآن 59 عاماً. يا لها من حياةٍ عريضة.

التدوينة الأصلية على أراجيك

ما هي قواك الخارقة؟

مقال نُشر في 13/4/2019

في أوّل أسبوع لي في التدريس الجامعي قيل لي: “ياما لك من قلّة الأدب والاستهتار.”

تتعامل في مجتمع الترجمة مع راشدين، قواعد التعامل هي القواعد الخلُقية والمهنية، وأعدادهم محدودة وتواصلك مع طرف واحد غالباً، واصغر من تعاملت معه كانت في السنة الثالثة في تخصص الترجمة. ثم وبعد اعتياد على هذا السياق الاجتماعي، أنتقل لسياق اجتماعي أوسع أقابل فيه يومياً ما لا يقل عن 100 كائن حيّ ( معدل الشعب ما بين 45 – 50 ، أدرّس ما بين 3 إلى 5 شعب )، ومع بداية كل فصل تصيببني عدوى في العين وتحسس في البشرة وإنفلونزا بسبب هذا التواصل مع هذا العدد الكبير.

Read More »

تتعامل في مجتمع الترجمة مع راشدين، قواعد التعامل هي القواعد الخلُقية والمهنية، وأعدادهم محدودة وتواصلك مع طرف واحد غالباً، واصغر من تعاملت معه كانت في السنة الثالثة في تخصص الترجمة. ثم وبعد اعتياد على هذا السياق الاجتماعي، أنتقل لسياق اجتماعي أوسع أقابل فيه يومياً ما لا يقل عن 100 كائن حيّ ( معدل الشعب ما بين 45 – 50 ، أدرّس ما بين 3 إلى 5 شعب )، ومع بداية كل فصل تصيببني عدوى في العين وتحسس في البشرة وإنفلونزا بسبب هذا التواصل مع هذا العدد الكبير.

Read More »