تنهال عليك النصائح حين تبدأ عملاً ما من كل طرف، الإيجابية والسلبية، المُنقع منها والمُقنّع، الذاتية والموضوعية. هناك ما هو متعلّق بالمهمة ذاتها، وهناك ما هو متعلّق بالعلاقات الإنسانية في بيئة العمل.
ما أعتقده هو أن متطلبات المهمة ذاتها متعلقّة بك: ما تعرفه وما ترغب بمعرفته وتحسينك لأدائك، يعني تبدأ بك وتنتهي، هذا في العموم. أما سيرها فهو متعلق بالبيئة والعلاقات المحيطة. وفي هذه التدوينة سأركز على العلاقة مع العاملين في بيئة العمل.
سأحاول أن لا ألعب دور الأستاذ، إنما المُجرّب. في المجتمعات الإنسانية عموماً تتفشى ظاهرة “التليفون الخربان” ، وأقصد به أن الخبر يبدأ بجملة واحدة ( فُلان خرج قبل انتهاء الدوام) ، لينتهي بقصة درامية ( فلان خرج من الدوام لأن جاءءه اتصال أن أخاه تعرض لحادث وأمه أصيبت بجلطة قلبية وابنه غرق في بحر الرياض) أو ( فلان خرج قبل انتهاء الدوام لأن ابن عم خالة جده هو ابن جار المدير التنفيذي للشركة قبل عشر سنوات ).
ما السبب؟
النميمة والغيبة وتتبع عورات الناس. خرج فلان قبل انتهاء الدوام ما شأنك ولستَ مديره؟ خرج ما شأن زميلك لتخبره؟ خرج ما شأنك لتعرف لمَِ خرج وأين توجّه؟ تقول كلمة، يلتقطها زميلك ويضيف عليها أخرى، وزميل آخر يُبهّر، ورابع يُهلوس ويدمج هلوسته بما سمع، وأخيراً نحصل على سيناريو لشخص وصل بيته ونام في أمان الله.
يفعل بعض الناس ذلك لمجرد إثراء المجلس، لكنه لا يُدرك أن هذا الإثراء السخيف المنحط لا يضخ إلا الغِل والغيض في النفوس البشرية الهشّة التي ترزأ تحت مطحنة العمل ( ولي في ذلك رأي ليس هذا محل بسطه).
لطالما كررت امي الفاضلة عليّ هذه النصيحة، ووجدت نفعها طبعاً بأن كان رأسي هادئاً، لأقرأها مرّة في كتاب قواعد العمل (The Rules of Work) وملخصه الصوتيّ هنا حيث حذر الكاتب من عدة أمور، طويلة لكن مهمة جداً، منها: لا تنمّ، ولا تغتب ولا تفعل ما يخالف الأنظمة خاصة لرئيسك، فإذا ما فعلتها مرة ستفعلها مرة ثم مرة ثم مرة حتى تغرق وتصبح مثلهم.
موقف: مرّة خرجت من الدوام في وقتي المعتاد – المثبت في النظام – أمام العالمين، فسألت عني زميلة زميلة أخرى لا تعرف مواعيد دوامي لاختلاف التخصص لكن رأتني خارجة فأجابت: “خرجت .. ربما عندها موعد”. لأتفاجأ من الغد بزميلة لا علاقة لي بعملها لتسألني: “عسى ما شر! سمعنا إنك بالمستشفى .. عسى ما فيكم شي؟! ” .. لأعرف لاحقاً أن زميلة رابعة كانت مارة قدراً على الزميلتين السابقتين وسمعت جملة تلك.
ضحكت حقيقة، وتذكرني مثل هذه المواقف بالشياطين التي تسترق السمع فتأخذ الكلمة من السماء، وكل شيطان يضع عليها ألف كذبة حتى تصل الأرض وقد تألّفت أقدار كاذبة تأسير الموهومين. وأتمثل بالبيت:
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا …. وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ أنام ملأ
نُشرت بتاريخ 3/4/2019